دراسة علمية للسياسة
د/ وحيد عبدالمجيد
(قمتُ خلال فترة تتجاوز ربع القرن بتدريس مقررات منهج البحث العلمى على مستويات البكالوريوس والماجيستير والدكتوراة .. ولم أتخل عن اقتناعى الراسخ بضرورة استخدام القواعد الصارمة للمنهج العلمى، وبأن على الأبحاث السياسية السعى لتفسير الظواهر السياسية تفسيرًا علميًا).
هذا هو تقدير أستاذ العلوم السياسية القدير الصديق د.صفى الدين خربوش لمسألة علمية علم السياسة التى أثرتُها فى الاجتهاد المنشور فى 2 نوفمبر الحالى (ماذا عن علم السياسة؟). وقد كتبه فى مقدمة كتابه (المنهج العلمى فى دراسة الظواهر السياسية)، المُهم والمفيد لدارسى السياسة، خاصةً الطلاب الذين يتعلمونها، ويُعدون أطروحات لنيل درجتى الماجيستير والدكتوراة.
ويُعد هذا الكتاب آخر محاولاته حتى الآن لبحث الظواهر السياسية بطريقة علمية وموضوعية، لكيلا تبقى دراسة هذه الظواهر (تعبيرًا عن وجهات نظر أصحابها) حسب تعبيره.
مشوار طويل قطعه د. خربوش منذ أن لاحظ فى وقت مبكر من حياته الجامعية أن التركيز فى الدراسات السياسية ينصب على الموضوعات، وليس على الخطوات المنهجية، ولهذا كان حريصًا باستمرار على تدريس مُقرر قاعة البحث، ليجد فرصة لتدريب الطلاب على إعداد الأبحاث بطريقة علمية، وقد فعل خيرًا بنشر هذا الكتاب، بعد أن بقى مقتنعًا لفترة طويلة بأن البحث العلمى يتم تعلمه والتدريب عليه فى المحاضرات وقاعة البحث، وليس عن طريق قراءة كتاب عنه.
لقد بذل د. خربوش على مدى عقود جهدًا لا يُختلف على أهميته، ولكن يبقى الخلاف على تقدير مدى استعداد دارسى السياسة للالتزام بقواعد البحث العلمى، والتخلى عن انحيازاتهم المُسبقة أو الحد من أثرها، يوجد بالتأكيد من لديهم هذا الاستعداد؛ ولكن هناك أكثر منهم يخضعون لانحيازاتهم.
ولهذا كان اعتقادى دائما أن السبيل الوحيد لتقليل غلواء الانحيازات والانتماءات الفكرية المختلفة أن يُفصح الباحث عنها بوضوح، أو حتى بطريقة مُستترة ولكنها مفهومة، فى بداية بحثه ليكون أمينًا مع من يطلع على عمله. وقد فعلتُ هذا فى بعض أبحاثى، خاصةً التى استخدمت فيها منهج التحليل الطبقى الأثير لدى، وأوضحت الخلفية الفكرية لهذا المنهج وما تنطوى عليه من انحياز.