ترنيمة القدس
الحقيقة وانتاج المعنى
الدكتور/ سامي محمود ابراهيم
رئيس قسم الفلسفة/ كلية الآداب/ جامعة الموصل/ العراق
يستمر المكان الفلسطيني زمانيا في صياغة مفهوم الحق العربي والإسلامي بمأساة جديدة وبوعي مغاير يحمل سلوكا مختلفا في البحث عن المعنى الديني وإعادة انتاجه وجوديًّا. وربما كانت ظاهرة التضحية والفداء من عناصره الأولى، وإلا ماذا يعني أن يواجه طفل فلسطيني السلاح الصهيوني العنصري؟! أو ليس هذا درسًا في الشجاعة التي يجهلها المغتصب... درسًا في انتاج المعاني الإنسانية وحمولاتها القيمية بما فيها التضحية. هكذا استطاعت الحقيقة بانتفاضتها الجديدة أن تهشم سلطة الإسرائيلي الصهيوني. وتكشف عن هشاشة سلطات عربية تتآكل من زيفها المعتاد ونفاقها السافر، وهي تؤسس لوجود ذات إنسانية حرة تمثل الخير في أرض السواد... وما يزال بياض قلب الروح يجوب الصحراء العربية بحثًا عن قطرة كرامة إلى يومنا هذا. فهل في هذا الوصف قيد شعرة من الإنحراف؟
نعم، في معرة العنصرية وسائر نظم الإرهاب والدموية ارتبط الدين سياسيًا وايديولوجيًا بالقومية فأنتج تلك الصورة المريضة من ما أسموه " بالحركة الصهيونية... هي مزيج من فلسفات عدمية تحرف النص عن مواضعه، خاصة السلوكية والقيمية منها، تعد نفسها بالأرض دون حق ولا استحقاق... فيها نجد عقيدة روحية خاوية تحمل أسفار الحقد والكراهية، أما مبادئها السياسية فمتطرفة إلى النخاع ومتشظية بمرارة الجبن والخوف من المستقبل.
والغريب أنهم يمارسون اليوم منصب السدنة لهذا القرن الجديد، والذي وصف بأنه عصر الديمقراطية والحرية، وعصر الحوار البشري وأنواره الإنسانية، كل ذلك وفقا لتلك الروح الانعزالية والانهزامية " الشعب المختار"! ومن الثابت أن تلك العنصرية كانت نتاجًا لشتات وفتات من فلسفة التربية الصهيونية وقيمها الاسرائيلية الجديدة... مجموعة أوهام وقناعات سلبية عن العرب والمسلمين بل ولسائر شعوب العالم وقومياته المختلفة، فلسفات عنف وعداوة كضرورة حتمية في السياسة الإسرائيلية، نفعية أساسها اغتصاب الحق والصحيح الإنساني المشترك مهما كان.
ومن تعاليمهم أن إذا دخلتم أرض الميعاد؛ اقتلوا كل من فيها من رجال ونساء وأطفال وشيوخ، حتى البقر وسائر ما موجود من شجر....! أو ليس هذا إرهابًا يمارس علنًا وفي وضح النهار. وليس غريب على الصهاينة هذه الأفعال وافتعال الحروب والمجازر في أبشع وأحقر صورها اللاإنسانية ثبتها هرتزل بقوله " القوة قبل الحق"! أي قوة هذه التي تخاف حتى من نفسها؟.
صحيح أنها تمتلك زمام اللحظة دنيويًا، بل وتمتلك سائر مقومات الفعل والمكان، لكنها تفتقر إلى مقومات البقاء المستقبلي الراسخ في عمق الزمان.. فالأقصى وغزة وفلسطين جزءً لا يتجزأ من كيان الحق الوجودي مهما طال الزمن وبعُدت الأسباب.. إنه حلم العدل إنسانيًا، والذي ينحاز أيضًا إلى الحلم العربي والإسلامي وإلى الأمل والأمن الاجتماعي.
لذلك نطالب السياسة عربيًا وعالميًا ألا تتنكر لهذا الحلم وتنتهك الروح... أما بخصوص تساؤلنا الأول فيمكن القول أن الصهيونية قد ورثت أسواء ما في العقلية الغربية من نهج معرفي وإنساني شاذ لبقية العالم، مع وراثتها المجددة لقيادة النفاق الليبرالي والرأسمالي المعاصر... فإسرائيل والصهيونية هي أكبر مستوطنة غربية أمريكية متورمة بملكوت الأنا.. لكن لا بد أن تكرر الشمس وجهها المشرق في كشف قاتلي العالم.