الحقوق المالية للقضاة
أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
• إن أية محاولات لتطوير القضاء ستظل أمنيات طيبة لن تجد طريقها إلى التطبيق مالم تكن مقرونة بتوفير الحقوق المالية للقضاة لما في ذلك من صلة بكافة مجالات التطوير للقضاء وكفالة قيامه بدوره بنزاهة وجدارة، فتوفير الحقوق المالية يحقق المنافع الآتية:
أولاً: تحصين القضاة من التطلع إلى المال الحرام:
فعندما تتوفر للقضاة احتياجاتهم ومتطلباتهم فذلك سوف يمنع القضاة من التطلع إلى المال الحرام لأن المال الحلال يغنيهم عن الحرام .
ثانياً: شعور القضاة بالعدالة :
لحصولهم على حقوقهم المالية، وهذا يؤثر إيجاباً في عمل القاضي الذي يشعر أن الجهات المعنية تعامله بعدالة، فذلك ينعكس على عمله حيث ينظر في القضايا ويفصل فيها بعدالة، إضافة إلى شعور القاضي بالرضاء عن العمل وذلك يزيد في إنتاجيته وجودته، علماً بأن عمل القضاة ذو طبيعة خاصة حيث أن القاضي طوال فترة الدوام يرأس جلسات المحاكمة وطوال المساء ينظر في الملفات، فهو ليس موظفاً يداوم في وظيفته أثناء فترة الدوام ولذلك فإن القضاة يستحقون رواتب أعلى من الموظفين، كما أنه من العدل تلقي القضاة مكآفئات نظير الأحكام التي يصدرونها لأن إعداد مسوداتها وتحرير أسبابها وصياغتها وإصدارها يتم خارج نطاق الدوام الرسمي ، كما ينبغي منحهم مكافئات تشجيعية نظير الأحكام المتميزة التي يصدرونها عملاً بالقواعد العامة، فقد شعرت بالحرج في لبنان عام 2013م عند مناقشة الاحكام القضائية المتميزة في العالم العربي في قضاء الأحوال الشخصية وكان نصيب القضاء في اليمن منها (27) حكماً متميزاً ، أي ما يعادل سدس الاحكام المتميزة في العالم العربي حيث سألني أحد المحامين اللبنانيين فقالوا ماهي المكافأة التشجيعية التي تم منحها للقضاة الذين أصدروا هذه الأحكام فأجبته بأن رواتب القضاة في اليمن عالية ، فرد علي هي كذلك أيضاً في بقية الدول ولكن هذه الرواتب تمنح للقاضي مصدر الحكم المتميز وغيره والعدل يقتضي أن يمنح مصدروا الأحكام المتميزة مكافآت تشجيعية.
ثالثاً: حقوق القاضي المالية وسيلة لتحقيق هيبة القضاء: فعندما تتحقق الحقوق المالية للقضاة يستطيع القضاة توفير متطلبات ومستلزمات هيبة القضاء بدءاً من اللباس القضائي المهيب إلى السيارة المناسبة التي تليق بهيبة وظيفته وحتى لا يزاحم العوام في وسائل النقل العامة ، وحتى لا يضطر إلى استعمال الدراجات النارية ، فمثلاً كان القاضي قبل ثورة 26 سبتمبر 1962م يتقاضى 75 ريالاً من الريالات الفضية النمساوية (مارتيزا) في حين كان أعلى معدل للرواتب لبقية الموظفين في ذلك العصر مابين 8-12 ريالاً ولغرض هيبة القاضي فقد كان يمنح وسيلة ركوب لائقة في ذلك العصر (بغل/بغلة) بالإضافة إلى خادم يقوم بأمر القاضي وكانت هذه مزايا كبيرة في ذلك العصر، ولا شك أن تحقيق الحقوق المالية للقضاة سوف يوفر لهم السكن المناسب الذي يليق بهيبة القاضي كما أن ذلك سوف يمكن القضاة من اقتناء المراجع والبحوث التي تمكنهم من تطوير مكانتهم العلمية كمظهر من مظاهر هيبة القاضي وغير ذلك من احتياجات القاضي المتصلة بهيبة القضاء.
رابعاً: تحقيق الاستقرار النفسي وصفاء الذهن:
فالقاضي لا يستطيع الإحاطة والإلمام بوقائع القضية التي ينظرها حتى يطبق عليها النصوص القانونية تطبيقاً صحيحاً، كما أنه لا يستطيع التسبيب والتعليل والاستنتاج طالما وهو يكابد الوضع المعيشي الذي يصرف تفكيره ويشغل باله ، ولذلك فإن توفير حقوق القاضي المالية يحقق الاستقرار النفسي وصفاء الذهن والهدوء فتتجه كل طاقات القاضي الذهنية وملكاته الفكرية لفهم القضايا التي ينظرها والإحاطة بها والفصل فيها وفقاً للنصوص الشرعية والقانونية.
خامساً: إيجاد بيئة قضائية إبداعية خلاقة:
فالاستقرار المعيشي والنفسي للقاضي وصفاء ذهنه وباله سيجعل القاضي يتجه في تفكيره إلى البحث عن الطرق والوسائل الابتكارية والإبداعية لتطوير عمله وعمل المحيطين به، وهذا بدوره يخرج القضاء من حالات الركود والنمطية التي ظل يعاني منها ردحاً من الزمن من حيث نماذجه وسجلاته وإجراءاته وغيرها.