انعقدت عبر تطبيق ZOOM ندوة نقاشية وطنية مساء الأربعاء 15 ديسمبر/ ٢٠٢١، تحت عنوان: "الحركة الانقلابية الحوثية، وتجريف الهوية الوطنية"، والتي أقامتها وأعدتها "مؤسسة يمن المستقبل للإعلام".
الندوة من المفترض أن تتضمن ستة أوراق كل ورقة تحمل محور مختلف جميعها تصب في تجريف الهوية، قبل أن يتغيب اثنين من المشاركين وهم د. محمد جميح، كانت ورقته حول: تجريف الهوية اليمنية بين الأئمة والحوثيين. والأستاذ. عادل الأحمدي، وورقة حول الحركة الحوثية الإمامية وتجريف العمران.
ما تم عرضه في الندوة: أربعة أوراق وقضايا مصيرية، الورقة الأولى ناقشت، "محددات الهوية الوطنية اليمنية في الدستور والقانون وارتباط الميثاق الوطني بهما، قدمها د. عبد الحفيظ النهاري. أما الورقة الثانية: "أتت حول الجماعة الحوثية وتجريف الهوية الوطنية في التربية والتعليم، قدمها د. جمال الحميري، رئيس "مؤسسة يمن المستقبل". أما الورقة الثالث فقد تطرقت لــ "الإمامة وتجريف الهوية اليمنية في الماضي والحاضر، قدمها الإعلامي والكاتب عبدالله اسماعيل. الورقة الرابعة تناولت قضية: النظام الإمامي والتجريف التاريخي للفنون د. أروى الخطابي، الأكاديمية والناشطة الحقوقية ببرلين. بالإضافة إلى مجموعة من المتداخلين الذين شكلوا إضافة جيدة رغم ثراء الأوراق المقدمة. أدارت الندوة أ. زكية هيكل من جمهورية مصر العربية.
تعريف الهوية من واقع تاريخي:
بدأ د. عبد الحفيظ النهاري ورقته باختيار مجموعة من الأفكار والقيم، كمدخل للتعريف بجذور الهوية وطابعها وأهميتها؛ من أجل الحفاظ على نسق مجتمعي متجانس، قائم على الحرية والسلام والمحبة والاخاء، متمتع بسيادة وطنية، وثوابت متحررة من كل أشكال الظلم والهيمنة.
النهاري تطرق إلى محاور حيوية حول الهوية في الدستور والقوانين اليمنية من أجل الوصول إلى جوهر الفكرة وتحديد الملامح التي يجب أن ندافع عنها والمعاني والقيم السامية التي تكاد تندثر بفعل التيار الكهنوتي.
يقول: الأمر معقد جدًا والهوية مجموع من العادات والتقاليد والأعراف والتاريخ الطويل أو مركبة من كل هذا، تتكون وتتشكل عبر عقود طويلة، بمعنى أنها خلاصة ما يترسب في أي شعب ويتراكم على امتداد قرون من الحركة الثقافية والفكرية والدينية والعادات التقاليد.
النهاري جعل من ثورة 26 سبتمبر 1962م وأهدافها الستة عتبة أولى للحديث عن المكتسبات وكيف كانت الأهداف مفاتيح كبيرة، منها استمد الميثاق الوطني، وصيغة كل تعريفاته ونقاطه حول مجمل القضايا، ليأتي كخلاصة لما نحمله في وجداننا.
أيضا أورد مسألة استقلال الجمهورية اليمنية وسيادتها ضمن أمة عربية متشاركة في اللغة إضافة إلى الدور الذي لعبته العملية الديمقراطية والتعددية الحزبية والسياسية التي كانت رافدًا أساسيًا في بناء مجتمع متماسك خال من الطبقية والخرافة.
وأشار إلى مهام الأنظمة تجاه المجتمع والاستحقاقات التي يجب ألا تصادر، منها الحريات وتقديم الخدمات وحفظ خصوصيات المواطن، ومعتقداته، كما توقف كثيرًا عند أهمية الميثاق الوطني الذي يأتي بمثابة دستور ومرجعية للجميع يعيد تفسير الهوية التي جاءت اجمالا في الدستور، والذي عزز خطاب الوسطية والاعتدال ومحاربة البدع، ونظم العلاقة بين الأنا والآخر وأتاح التفكير دون قيود، ويضع معايير للولاء الوطني ومحددات تتمثل في الحفاظ على السيادة ورفض كل أشكال التبعية، تجسيد الثورة فكرا وسلوكا وهو التحدي الذي نعيشه اليوم من خلال دماء الشهداء الذين سقطوا منذ فجر سبتمبر دفاعا عن كل القيم والثوابت.
داعيا إلى ضرورة أن يتربى النشء والشباب وكافة الأجيال على هذه المعايير، المتمثل في الوحدة الوطنية والابتعاد عن العصبية والتنشئة الدينية الأيديولوجية والتفاعل مع القضايا العربية ومنها القضية الفلسطينية، من واقع أن لا سيادة لنسب أو مال أو طائفة أو شلة، حياة قائمة على العدل الاجتماعي لا الاقصاء والتحريض ولا بد من تذويب الفوارق بين الطبقات.
مؤكدًا اليوم على أن هناك مدخلات غير قابلة لأن تصبح ضمن حياتنا، ومن الصعوبة أن يتم اسقاطها على واقعنا أو الخروج عن المرجعيات الرئيسية التي تتمثلها الهوية الوطنية، وأشار إلى أن ذلك ينسحب على المؤسسة التربوية والتعليمية والثقافية، وليس التعبير عن عقيدة طائفة او فئة أو مذهب.
ولذا فان التربية قوة والعقيدة هي محور الارتكاز وليس العقيدة الطائفية التي تريد أن تسحب نفسها على الآخرين، وختم حديثه عن العهد الإمامي الذي حاول تكريس الجهل، موضحًا أننا أمام معركة طويلة ولا بد من الوقوف في وجه التجريف الذي يحاول زراعة الجهل ومصادرة الحريات، وأكد على أن حماية الحقل التربوي من أقدس الواجبات في الوقت الحاضر.
تغيير المناهج وتفخيخ عقول النشء
في الورقة التالية التي تعد واحدة من أهم الأوراق، تحدث فيها د. جمال الحميري عن التعليم وكيف تعمل جماعة الحوثي على تغيير المناهج بكل السبل والطرق والامكانيات في عملية تجريف مخيفة، كل ذلك تم عرضه بالأرقام والحقائق والمستندات وتقارير موثقة بالصور والشواهد.
الحميري أشار إلى ضرورة أن تكون رؤيتنا لمناهج التعليم باعتبارها مدخل أساسي وعمود فقري لاكتساب الهوية الوطنية والحفاظ عليها، فهي مجمل ما يمكن أن يكتسبه جيل كامل متطلع يستطيع الدفاع عن كافة المكتسبات التي تجعله منتميا لجذوره الوطنية.
في ذات السياق أشار إلى المناهج التي كانت قد رسخت في طريقها وعلى مدى عقود للكثير من القيم، منها: المواطنة المتساوية، الحفاظ على الهوية الحضارية، اذابة الفوارق الطبقية والعنصرية والطائفية في البلاد.
وطرح كيف أن المليشيا في الوقت الراهن تسابق الزمن نحو تغيير المناهج الدراسية في كافة المراحل الأساسية وصولا إلى منهج الجامعة، بل أنها فجرت العديد من المدارس واستغلت الحرب في تجنيد الأطفال وحرمان ما يقارب 4 ملايين من التعليم لأسباب عديدة، وتفخيخ المناهج بالخرافة.
وشدد على أن تغيير المناهج الدراسية خطوة في غاية الخطورة تهدد النسيج الاجتماعي وتمسخ هويته الوطنية والعربية وتسعى لتلويث عقول الطلاب بالطائفية والكراهية والأفكار المستوردة.
نهج الحوثي التدميري
في هذه النقطة يشير إلى طريقتين أنتهجها الحوثي في العملية التربوية تمثلت الأولى: في التغيير الوظيفي من خلال استبدال موالين لهم بالمعلمين والكوادر الموجودة والمؤهلة على مستوى مدراء المدارس ومدراء مكاتب التربية في كافة المحافظات. الطريقة الثانية تعديلات مبرمجة وممنهجة للمناهج الدراسية.
وبحسب الباحث فإن هذا يأتي من خلال محاول الإجابة على ثلاثة أسئلة مهمة هي:
* ما هي التغييرات التي أدخلت في المناهج الدراسية؟
* ما هي مخاطر تغيير المناهج التعليمية وانعكاسها على المجتمع؟
* ما هي الطرق والأساليب لمواجهة هذه التعديلات التي تستهدف الهوية الوطنية؟
بالنسبة للتغييرات التي أدخلت في المناهج الدراسية، حول هذه النقطة المهمة أورد الحميري تفاصيل منهجية أو بحثية دقيقة، قائمة على الأرقام والمعلومات الثابتة بالوثائق التقارير، حيث ذكر أن المليشيا حرفت ما يقارب (386) موضعا من مناهج الدراسة الابتدائية، وبحسب ما طرح تركزت التغييرات على مناهج الصفوف الأولى حتى الصف السادس.
ساردًا المواد التي تعرضت للتجريف وحددها ب (4) مواد منها اللغة العربية – التربية الإسلامية – التاريخ – التربية الوطني. إضافة إلى ذلك أوضح كيف تمت العملية عبر إضافة دروس إلى المنهج السابق، أو تغيير عناوين، على سيبل المثال لا الحصر: تم حذف شخصيات مثل الإمام الشوكاني – محمد محمود الزبيري – علي عبد المغني. *دروس تم حذفها أوردها الباحث في ورقته. الدولة العباسية – الفتوحات الإسلامية في العهد الأموي والعباسي – الدويلات المستقلة عن الدولة العباسية – الدولة الرسولية – الدولة السلوجوقية – دولة المماليك. *دروس تم إضافتها. اليمن في عصر الخلفاء والأئمة الراشدين – اليمن في العصر الأموي والعباسي – الدولة الإسلامية في عصر الأدارسة في المغرب – الدولة الإسلامية في عصر العلويين في طبرستان – دولة بني نجاح. *دروس تم إضافتها في مادة التربية الوطنية. إضافة 21 سبتمبر 2014 إلى قائمة الثورات اليمنية واعتبارها ثورة تصحيحية لثورة 11 فبراير2011 – ثورة الإمام القاسم 1597م – ثورة الإمام المنصور – وابنه يحيى حميد الدين 1892م – إضافة إلى سيرة (صالح الصماد).
من التغيرات التي طرأت، تفسير الآيات القرآنية والأحاديث النبوية؛ وفق التوجه العقائدي للجماعة، أيضا تم حذف (وحدتين) من مادة التربية الاجتماعية هما: الوحدة الخامسة والتي تتضمن مولد الرسول ونشأته – صفاته – البعثات النبوية – أوائل الصحابة أبو بكر – عمر – عثمان – علي – خديجة بنت خويلد. في الوحدة السادسة تم حذف: عيد الفطر – عيد الأضحى – ذكرى ثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر، لم يكتفوا بذلك حسب الباحث بل تم إضافة صور وشعارات تكرس توجه الجماعة، ناهيك عن المصطلحات العسكرية في مناهج الرياضيات، تكرار الصور والشعارات في صفحات الكتاب بغرض رسم الفكرة التي ترتبط بمشروع الجماعة. وقد تم تقسيم التغييرات التي حدثت للمنهج الدراسي إلى تغييرات (طائفية وعقائدية – تغييرات سياسية).
مخاطر تغيير المناهج
أما فيما يخص مخاطر تغيير المناهج التعليمية وكيف تنعكس على المجتمع؟ فقد حدد الباحث الحميري ذلك من خلال ثلاث نقاط رئيسية هي: (مخاطر اجتماعية – ثقافية – تاريخية) والتي تتمثل في الآتي: تغيير ثقافة الطلاب اليمنيين من خلال تمرير مبادئ الثورة الخمينية، وهذا ما كان واضح من خلال التغييرات في مناهج مقررات اللغة العربية، التربية الإسلامية، التاريخ. تغيير ثقافي وديمغرافي والذي يهدف في الأساس إلى تجهيل الشعب اليمني وانتزاعه من محيطه العربي، تشويه التاريخ اليمني والثورة اليمنية ضد الإمامة 1962م، طمس الحقائق التاريخية والتي ينظر إليها الحوثيين على أنها انقلاب، وهو ما يحاولون تكريسه في المناهج الجديدة وتدريس مواد عن تاريخ الأئمة في اليمن بما يدعم بقائهم وتاريخ رموزهم، بالإضافة إلى تغيير في تاريخ الحضارة الإسلامية.
أيضا تغيير المسميات والمصطلحات الثقافية والتاريخية وغرس مناهج وثقافة بديلة يسمونها زيفًا بــ"الثقافة القرآنية". تمزيق النسيج الاجتماعي من خلال الفرز الطائفي والتمييز بين الناس سادة وعبيد وعدم تقبل الآخر وتكريس مواضيع الحقد والتحريض والعداء بين اليمنيين عامة. تغيير أفكار جيل جديد وحرف البيئة التعليمية باعتقادات خارج سياق التاريخ والعقيدة السليمة والهوية الوطنية السائدة على اليمن منذ عقود طويلة. تحريف المواضيع الدينية وتكريسها في اتجاه عقائدي وكذلك الاستحواذ على الأفكار الناشئة وزرع أفكار معاكسة للهوية اليمنية بما يخدم اجنداتها ويساهم في فتح الطرق لتوسيع نفوذهم وعدم القدرة على مواجهتهم مستقبلا. تحويل المدارس إلى وحدات انتاج حشد طائفي لعقول طلاب اليمن ممن لا زالوا في سن الطفولة واستغلال قلة الرقابة الأسرية نتيجة البحث عن لقمة العيش في ظل الوضع الراهن.
طرق وأساليب مواجة هذا التجريف
خلاصة هذا الطرح أورد الباحث طرق وأساليب لمواجهة هذه التعديلات السلبية التي تستهدف الهوية الوطنية منها. دور الأسرة المتمثلة في الأب الأم الأخ الأخت، على اعتبار أن هؤلاء جميعا يحضون بدور أساسي من حيث التربية والتوعية والتوجيه، أضافة إلى المعلم الذي يتحمل مسؤولية وأمانة، ثم يأتي دور المؤسسات الحكومية من خلال صياغة خطاب وطني توعوي جامع يحافظ على الهوية الوطنية عبر الإعلام ووزارة الأوقاف والإرشاد في (المناطق المحررة)، وعمل ندوات مكثفة وتقديم أبحاث علمية وعرضها في وسائل الإعلام.
التنسيق بين وزارة التربية والتعليم ووزارة الإعلام وتشكيل لجنة مشتركة مهمتها تنفيذ أنشطة إعلامية واسعة ودائمة. أيضا ضرورة تحرك المجتمع المدني، بتقديم ندوات ودورات نقاشية، ولا بد من وجود دور للإعلاميين من أجل أن يجسدوا علاقة متينة مع المثقفين ومشايخ الدين وتقديمها بأسلوب رصين للمجتمع، أيضا القنوات التلفزيونية وبرامج التوعية والوثائقيات التاريخية. وأخيرًا يضع الباحث نصب عينيه أنه يتوجب على كافة أبناء الشعب اليمني الوقوف صفا واحدا أمام هذا التجريف والتحريف وهذا الإجراءات التي تمس نسيج المجتمع ومستقبل أجيال كامل من قبل مليشيا الحوثي.
نزق الإمامة ومحاولتها طمس الهوية
بالنسبة لورقة الباحث والإعلامي/ عبد الله إسماعيل فقد أتت مكملة لما تم طرحه سلفا لكنه أختار جوانب أخرى مع الإشادة بالأوراق السابقة. انطلق إسماعيل في ورقته من نقطة مهمة، حيث أكد بأن أحد أهم أسباب عودة الإمامة وتماثلها مع جماعة الحوثي الانقلابية، هو أننا كنا غائبين أو مغيبين عن قراءة التاريخ بشكل سليم، معتبرا أن ما يجري اليوم هو مخرجات طبيعية لممارسات وسلوك وأخلاق كانت تتم منذ 1200 عام، وإذا لم نفهم مسألة صراعنا مع أحد تجليات الإمامة اليوم وارتباطها بإيران فإننا سنعاني كثيرا.
يقول: ما يقدم اليوم فكر خارج سياق العصر منذ قد الإمام (الرسي)، فكر غير قابل للحياة هذا الفكر كلما استتب الأمن يقوم هؤلاء بالفوضى وزرع الخلافات والشقاق ومحاربة العلم وتشويه التاريخ والعلماء، المشروع الإمامي لا يمتلك القدرة على الاستمرار ولا بناء دولة. يضيف وفي حال راجعنا التاريخ سوف نجد أن الإمامة لم تقدم شيء على عكس ما قدمه الصليحيون ونحن نتحدث عن آثار ماثلة ورخاء وانفتاح ويؤكد على الأئمة مارسوا التجهيل متعمدين، كما هو اليوم يذهبون إلى إبعاد الناس عن جذورهم وتاريخهم، كما هو الحال مع الصريح (حسين الحوثي) كان يرى أن أعمدة مارب وثنية حتى الائمة كانوا يستهدفون التراث والتاريخ.
فكر استعلائي وفوقي يلغي الآخر
وهنا يعيد الباحث إلى الأذهان قضايا استغلتها الإمامة لتمرير كثير من ترهاتها، منها ما نواجهه اليوم من مسألة الفكر الاستعلائي الفوقي فوق الناس والغاء شخصية الآخر ليظل هو الأعلى وإعطاء بعدا أن الآخر أقل شانا، وأنه هو وحده نطفة مقدسة وهذا أسوأ ما نواجهه اليوم وما فطن له الثوار والعلماء على مدى تاريخ المواجهة والصراع.
ثم يشير إلى أن اليمنيين ليسوا فاقدي أهلية، وهم أسياد على بلدهم على مدى تاريخ الإمامة، ولم يكن هناك ترسيخ للدولة من قبلهم على الإطلاق، وهم تعمدوا تجيير السلطة لصالح فكرتهم ومشروعهم الطائفي، واعتمدوا على تجويع الناس وافقارهم، واليوم التاريخ يعيد نفسه من خلال قطع الرواتب وعدم تقديم الخدمات ونشر العنصرية والعصبيات التي يعاني منها اليمنيين وسيعانون منها مستقبلًا، كما أنهم يعادون القومية من خلال تشويه ومحاولة طمس تاريخ (نشوان الحمير - وأبو حسن الهمداني).
ومما أضافه إسماعيل الحديث عن أمرين مهمين. الأول: لماذا يقف مشروع الإمامة ضد الفنون والحضارة والعلم اليمني؟ يجب باختصار، لأنهم حسب قوله يتعاملوا بأسلوب (الغازي) المنفصل بفكره، الآتي من ظلام السنين وظلام الأرض، لذا فهو يرى في ثقافة اليمن مهدد لوجوده. فاليمنيون بطبعهم يميلون إلى الصناعة والزراعة والعمل عبر تاريخهم، حتى يأتي الإمامين ليحولوا الحياة إلى حرب و"الرزق تحت سن الرمح" وهذا ما يجري اليوم.
وضرب أبسط الأمثلة حول (الدولة الرسولية)، كيف تحقق الثراء والعلم، وتحولت إلى دولة مركز، وأصبح اليمنيين في ثراء عجيب، لأن اليمني يحب الفنون والحضارة والعلم والتاريخ، لكن هؤلاء يحاولون تجيير كل شيء لصالحهم وهو تصرف يعتمد عليه دائما الغازي بحيث لا يرى في ثقافتك إلا تهديد لمشروعه.
محاربة كافة الفنون وخاصة الموسيقى
في الورقة الرابعة والتي تناولت قضية: النظام الإمامي والتجريف التاريخي للفنون د. أروى الخطابي، الأكاديمية والناشطة الحقوقية ببرلين. بالإضافة إلى مجموعة من المتداخلين الذين شكلوا إضافة جيدة رغم ثراء الأوراق المقدمة.
تطرقت الخطابي إلى قضية مهمة متشعبة، لكنها في المجمل تدور حول الفن ومحاربته من قبل مليشيا الحوثي، الفن بمختلف أنواعه أو الفنون وخاصة الفن الموسيقي واستعداء الفنون، تقول أول ما دخل الحوثي (صعدة) أغلق كافة محلات الموسيقى وتحديدًا المحلات التي تبيع (السيديهات والذواكر) وأماكن تحميل الأغاني، ومنع تماما سماع الموسيقى فوق السيارات وفي المحلات والطرقات وحتى في المناسبات أيا كانت، ثم تجاوز ذلك إلى مصادرة الموبايلات المحمولة والتعدي على الخصوصيات وكانت الأمور تصل أحيانا إلى القتل.
الباحثة أروى سردت قصصا محزنة وحواد اعتداء بالقتل منها قتل مجموعة من الأطفال بعد أن تمددت الحركة الحوثية وهما (هيثم عمير16، شاكر مرعي، جميل مرعي 17 عاما)، هؤلاء كانوا يسمعوا الأغنية فطلبوا منهم تسليم الموبايلات وبمجرد وصولهم تم قتلهم ولم يأخذوا جزاءهم حتى اليوم رغم المطالبات، حالة أخرى هو (ماجد محمد العسكري)، تم قتله لأنه كان يسمع أغاني، في نفس اليوم قتل الجنديين (عبد الحكيم محبوب وفؤاد قايد عباس) لأنهم سمعوا أغاني وطنية كان هذا أثناء اقتحام صنعاء، كما اعتقل (ماجد سليمان حواش) سبب سماع الأغاني هذه طرق داعش ولا أحد يتوقف عند هذا.
كما تؤكد في ورقتها أن الحوثي يساهم في تجريف الهوية منذ العام (282)هـ، أول وصول للإمام الرسي، وإلا فاليمني جُبل على الموسيقى والتنوع اليمني، يغني ويطرب في كل مكان طور الأدوات، والاثار اليمنية زاخرة بالكثير من الشواهد الحية.
في السياق ذاته أضافت أروى الخطابي كيف أثبت الباحثين الأجانب الذين زاروا اليمن أن اليمنيين كانوا يتمتعون بحياة مختلفة فيها الغناء والمرح نساء ورجل، ولم يسجل يوما أنه تم احتقار امرأة، كما عمل اليمني على تطوير عدد من الآلات الموسيقية منها القنبوس أو (الطربي) وغيرها.
تدمير الذائقة وتكريس الامتيازات
في نقطة مهمة أيضًا توضح الباحثة أن الإمامة ساهمت في تدمير الذائقة، حيث قامت بتقسيم الناس ومنحت لنفسها كل الامتيازات، حتى وصلت الطبقة الفنية إلى أدنى السُّلام، وتم احتقار الفنانين، كما أحدثت خلل في الذائقة الفنية، واستبدال أغاني الأعراس والزراعة ب(الزامل)؛ الذي هو متعلق بالحروب والجانب العسكري، وهذا طابع متشدد استمر حتى الإمام يحيى وكان يعتبر الفنون من الشرور لكن اليمنيين لم يستسلموا.
ومن الأحداث التي علقت عليها الباحثة ووقعت أيام الإمام فقد أقدم على إعدام (الفنوجراف) وعلقها على باب اليمن، وهكذا يفعل الحوثيين اليوم، فمنذ سيطروا على صنعاء كان أول عمل لهم، محاربة (الفنون والموسيقى)، وكان هناك كثير من المبررات منها أنها (تؤخر النصر)، منع الطلاب الخريجين من الاحتفال، منع الغناء في بعض الأعراس، اقتحام الحفلات والمناسبات ما تسببوا في إرهاب المعزومين والضيوف، فرض غرامات على من يغني، اعتقال بعض الفنانات وتعرض بعضهن للهجوم من قبل المليشيا.
وبحسب الباحثة فإن كل ذلك كان ولا يزال يتم تحت لافتة (المسيرة القرآنية)، أيضا ذكرت بعض الأسماء ممن تعرضوا للاعتقال والتنكيل والحبس، منهم أصيل أبو بكر وقبله تم قتل نادر الجرادي وحتى اليوم لا يزال قاتله بدون محاكمة، وحلق شعر ضابط الايقاع (ملاطف الحرازي)، اعتقل فؤاد الكبسي ومصادرة أدواته. وختمت إلى أنه يتوجب علينا جميعًا أن نقف في وجه كل هذا الطمس والتجريف على أساس طائفي.
مداخلات وإضافات
كانت هناك مداخلات واضافات لرؤساء منظمات وتربويين واعلاميين وناشطين منهم نبيل العياشي، نعمان الحذيفي، د. طه الهمداني، الحميقاني، طارق الحداد، عمر الشلح، محمد قيران، نزار الخالد، محمد الردمي، تحدثوا حول تكريس الاحتفالات الشبيهة بالمناسبات الإيرانية، مضايقة الأقليات، منع صلاة التراويح، تكريس آفة العنف من خلال الملازم المليئة بالأخطاء المنهجية، ومضايقة الطوائف والجماعات الأخرى واستغلال بعضهم منهم المهمشين والبهائيين وهذه الأخيرة وصل الأمر إلى الحكم بالإعدام على بعض قيادتها، ومصادرة الأملاك واغلاق مؤسساتهم.
الأمر الآخر إعادة تأهيل المساجين من خلال فرض دورات ثقافية طائفية، الاستيلاء على المساجد وفرض كثير من الأفكار، السيطرة على مؤسسات التعليم والاشتغال على هدمها، سياسية تغيير المناهج التحكم بالتخصصات، قطع المرتبات استبدال النشيد الوطني بالصرخة، التعبئة الإذاعية دورات مستمرة، قنوات فضائية، مجلات تستهدف الأطفال، تغيير أسماء الشوارع والمدراس، رفع صور وشعارات طائفية في الشوارع، كل هذا سببت الكثير من المخاطر، تشويه التاريخ، ارسال الكثير من الشباب وغيرهم إلى إيران، ترجمة الكتب الشيعية وفرضها في المدارس. وأخيرا وليس آخرًا السيطرة التامة على الآثار والمخطوطات واخفاء بعضها وتهرب البعض الآخر وتزوير أجزاء أخرى بأشكال مختلفة.